إكسبو 2020 دبي
من الزراعة على الأسطح في سنغافورة، وهي الفكرة التي أطلقتها مؤسسة غانية تعمل على تغيير حياة النساء العاملات في إنتاج الحبوب العتيقة، إلى "المزارع بدون تربة" لرفع مستوى معيشة النساء والشباب في نيروبي، يطرح السؤال نفسه: ما هو العامل المشترك بين كل هؤلاء؟ والإجابة هي: أنهم جميعا يشكلون جزءاً صغيراً من حزمة كبيرة من المشروعات التي يدعمها إكسبو 2020 ، والتي سيتم تسليط الضوء عليها خلال أسبوع الغذاء والزراعة وسبل العيش في إكسبو 2020 دبي، كونها تعمل على تعزيز نظم الغذاء والزراعة وسبل العيش في جميع أنحاء العالم، كجزء من التزام الحدث الدولي المستمر بأهداف التنمية المستدامة، وهو ما يقتضي إجراء تحولات كبيرة في النظم الغذائية بهدف القضاء على الجوع، وتحقيق الأمن الغذائي، وتحسين التغذية بحلول عام 2030.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، يعمل مشروع " ري-نوبل"، الذي يتخذ من الولايات المتحدة الأمريكية مقراً له، والمدعوم من قبل إكسبو لايف، برنامج الشراكة والابتكار العالمي من إكسبو 2020 دبي، على تطبيق تقنية إعادة العناصر الغذائية للتربة، عبر تحويل النفايات الغذائية إلى أسمدة يمكن التحكم فيها وتوفيرها بأسعار تنافسية. وهي أيضا تقنية متخصصة في الزراعة المائية، وتعد طريقة سريعة واقتصادية ومستدامة لزراعة النباتات بدون تربة، حيث تُمكّن المزارعين من إنتاج محاصيل عضوية أكثر ربحاً وبنصف تكلفة إنتاج المحاصيل غير العضوية. كما يُمكن أيضاً تحويل هذه التقنية بسهولة لاستخدامها في زراعة النباتات التي تحتاج إلى التربة، فضلا على أنها تساعد في التخلص من انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل كبير من خلال تحويل النفايات الغذائية بعيداً عن مكبات النفايات.
يتقاضى مزارعو القهوة أقل من 10 في المائة من القيمة النهائية لعبوة القهوة المحمَّصة، رغم أن الجزء الأكبر من العمل يقع على عاتقهم. ولتحسين أوضاع هؤلاء المزارعين انطلاقاً من هذا الأساس، يقدم مشروع "كافيه كومباردي" الذي يتخذ من بيرو مقراً له، وهو من ضمن الحاصلين على منح إكسبو لايف، نموذج عمل يحدث تأثيراً إيجابياً كبيراً على دخل المزارع. ويتضمن الحل الذي تقدمه تركيب محطة تعمل بالطاقة الشمسية لإنتاج حبوب القهوة في الغابة، والتي يمكن للمزارعين استخدامها على مدار العام لمعالجة إنتاجهم من البن وتحميصه بأنفسهم، مما يُدر عليهم دخلاً إضافياً نظير عملهم.
وننتقل بالحديث إلى مشروع مميز من مشاريع الحاصلين على منح إكسبو لايف، وهو مشروع "هايدروبونيكس أفريكا"، الذي يعمل على تمكين النساء والشباب في الأحياء العشوائية بالعاصمة الكينية نيروبي، ليصبحوا رواداً للأعمال الاجتماعية، ويعزز المشروع من سبل العيش ومستويات التغذية عبر تقنية الزراعة المائية. وتسعى المجموعة، التي أُسست عام 2015، لمعالجة جذور الفقر وانعدام الأمن الغذائي، وتهدف إلى توفير طرق زراعة فعالة من حيث التكلفة، ومستدامة بدون استخدام التربة، وبنسبة أقل من المياه تصل إلى 80 في المائة.
ويستمر دعم إكسبو لايف للمشاريع ومنها مشروع " أماتي"، وهي مؤسسة اجتماعية غينية، ترأسها المؤسِسّة والرئيس التنفيذي سلمى عبدولاي، وهي مؤسسة رائدة في إحياء زراعة حبوب "الفونيو" الغرب أفريقية، والتي يمكن زراعتها في الأراضي المتدهورة. وبدأت المؤسسة عملها مع 10 مزارعات لا يمتلكن أراض، وكان ذلك في موسم إنتاج المحاصيل عام 2014، وتعمل "أماتي" حالياً مع ما يزيد عن 2000 مزارعة، مما يمهد الطريق لانتشال النساء من براثن الفقر وعدم المساواة في شمال غانا، لا سيما مع توفير التدريب لهن لصقل مهاراتهن وتمكينهن من تحقيق دخل.
يعد انتشال المزارعين من براثن الفقر تكليلا لجهود شركة "جاسبري رايس"، التي تتخذ من تايلاند مقراً لها، والتي توفر للمزارعين التايلانديين الفرصة للحصول على زيادة في الإيرادات، تفوق متوسط الإيرادات غيرهم من المزارعين بمقدار 14 ضعفاً، وذلك عبر تعليم المزارعين طريقة زراعة أرز الجازبيري، وهو نوع من الأرز الأرجواني الغني بالقيمة الغذائية، مما يتيح لهم دخول سوق "الأغذية العالية القيمة الغذائية" والاستفادة منه. وفي بلد آخر في المنطقة، نستعرض مشروع شركة "كروبيتال" المدعوم من برنامج إكسبو لايف، وتتمثل مهمة هذه الشركة في العمل على تعزيز دخل وإنتاجية المزارعين في الفلبين من خلال التمويل الجماعي، حيث يمد المستثمرون يد العون لهؤلاء المحتاجين، ويأخذونهم خطوة أقرب نحو حياة أفضل.
ولا يقتصر دعم صغار المزارعين على إكسبو لايف بأي حال من الأحوال، حيث يسلط برنامج أفضل الممارسات العالمية لإكسبو الدولي الضوء على 50 حل مؤثر ومستدام، لتمكين تلك المبادرات من توسعة نطاقها لإحداث أثر أكبر ، وذلك بهدف الدفع بعجلة التقدم العالمي المشترك نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
تشتمل تلك الحلول على مشروع "إيسكو"، الذي يتخذ من غانا مقرا له، والذي يُعنى بتقديم باقة من الخدمات المعلوماتيّة الرقميّة للمزارعين، ومن ضمنها بيانات آنية عن أسعار السوق المالي، وعن التنبؤات المتعلقة بحالة الطقس لمدة ثلاثة أيام، فضلا عن تقديمه للنصائح والأساليب المتعلقة بــ "الزراعة الذكية مناخيًّا"، المُطبقة على المستوى المحلي، وذلك عبر التواصل معهم من خلال (الرسائل النصية القصيرة، والرسائل الصوتية القصيرة، ومراكز الاتصال باللغات المحلية)، مما يمكّن المزارعين من الحصول على أسعار أفضل لمنتجاتهم. ويتضح للعيان هذا التأثير الجلي للمشروع، حيث استفاد منه مليون مزارع حتى الآن، نصفهم في غانا والباقي في 19 دولة من الدول الأفريقية.
يعمل "مشروع ساستينبل غراورز"، التابع لبرنامج إكسبو لأفضل الممارسات العالمية، على تعزيز سُبل عيش النساء في رواندا من خلال مشروع "مقهى ومركز تدريب كويسشن "، الذي يقع في كيغالي عاصمة رواند، والذي يهدف إلى إرساء الثقافة المزدهرة للقهوة من خلال زيادة الطلب المحلي عليها. ويكمن دور المشروع في التكفل بتأمين مقومات الحياة الكريمة للمزارعات اللواتي يمضين معظم النهار في العمل، ولا ينخرطن سوى في عدد قليل من البرامج التدريبية، واللواتي نادراً ما يتقاضين دخلا نظير عملهن بشكل مباشر.
في سنغافورة، يًسلط البرنامج الضوء على مشروع "ستيزن فارم" أو مزرعة المواطن الخاص بشركة "إيدبل غاردن سيتي"، استجابة لهدف الدولة والمدينة المتمثل بزراعة 30 في المائة من طعامها محليا بحلول عام 2030 نظرا لمحدودية مساحة الأراضي الزراعية، فضلا عن محدودية قدراتها على زراعة المحاصيل التقليدية، وذلك من خلال زراعة أسطح المنازل، وغيرها من المساحات غير المُستغلّة المنتشرة في كافة أنحاء المدينة، وشهدت المبادرة إنتاج 50 نوع من النباتات الصالحة للأكل، مثل الخضروات الورقيّة والزهور الصالحة للأكل والميكروغرين (الخضروات متناهية الصغر)، والأعشاب والفطر (المشروم)، التي ترعرعت منذ إطلاق المشروع، وهو ما زاد من مرونة سنغافورة فضلا على أنه عزز من علاقة الناس بمفهوم الغذاء.
وفي أماكن أخرى في جنوب شرق آسيا، يُرسي "بنك التنمية الآسيوي" سُبل عيش بديلة مُستدامة للنساء والسكان الأصليين في كلا من إندونيسيا والفلبين، بهدف رفع مستويات دخل الأفراد، مع المحافظة في الوقت ذاته على النُّظم الإيكولوجية. يقوم المشروع، وهو أحد المشاريع التي تتلقى الدعم من برنامج إكسبو لأفضل الممارسات العالمية، بتوطيد الشراكات مع الجهات الحكومية والشركات والمجتمعات المحلية، بُغية صقل المهارات وعقد برامج التدريب المهنية التي تُعنى بالجوانب التي تتعلق بإدارة غابات المنغروف والغلاف النباتي لقيعان البحار، والشعاب المرجانية، مما يقلل من تعرض الموائل الساحلية للعواصف والتآكل، وللظروف المتعلقة بتغيّر المناخ.
بينما صمم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في بوتان، "قوائم الطعام المدرسيّة المُعززة"، وهي مبادرة أخرى يدعمها برنامج إكسبو لأفضل الممارسات العالمية، وتهدف إلى مواجهة التحدي المتمثل في إنشاء قوائم طعام مدرسية تُلبي الاحتياجات الغذائية لمختلف الفئات العمرية. تحسب هذه البرمجية المُتاحة عبر شبكة الإنترنت أكثر الخطط فعالية لتوفير وجبات الطعام من حيث التكلفة، بالإضافة إلى أنها تضمن التنوع الغذائي، وقد ساعمت في إنعاش الاقتصادات المحلية من خلال الشراء من صغار المزارعين المحليين. إن القدرة على تحديد ودمج أنسب المنتجات الزراعية، من شأنها المساهمة في تعزيز الاقتصادات المحلية، حيث يستفيد المزارعون من استقرار السوق، مما يؤدي إلى زيادة الدخل.
سيتم استعراض المشاريع المذكورة أعلاه على هامش الفعاليات المنعقدة خلال أسبوع الغذاء والزراعة وسبل العيش في إكسبو 2020 دبي (المنعقد خلال الفترة الممتدة من 17-23 فبراير، والذي انطلق يوم الخميس)، بهدف توحيد صناّع التغيير والمبتكرين والأطراف المعنية على امتداد سلسلة القيمة الغذائية العالمية، ولتسليط الضوء على المنظومات الغذائية الأكثر إنتاجية وشمولا بالنسبة للفئات الفقيرة والمهمشة من السكان، وتلك التي تتميز بالاستدامة والمرونة من الناحية البيئية، وتقدم أنظمة غذائية صحية ومغذية للجميع.
يُذكر أن أسبوع الغذاء والزراعة وسبل العيش هو التاسع بين عشرة أسابيع موضوعات تُقام على مدار الأشهر الستة لإكسبو 2020 دبي، ضمن برنامج الإنسان وكوكب الأرض، التي ينظمها الحدث الدولي لتبادل وجهات النظر الجديدة والملهمة في سبيل معالجة أكبر التحديات والفرص التي نشهدها في عصرنا الحاضر.