تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



محمد سليمان .. مبدع الصورة الصحفية


الأمير كمال فرج.

الصورة عنصر أساسي في الصحافة، لولاها لكانت المادة الصحفية منشورًا رسميًا خاليا من النبض والحياة، والصورة لا تقل أهمية عن الموضوع، بل تفوقه أحيانا، والمثل الإنجليزي يقول "الصورة تساوى 1000 كلمة A picture is worth a thousand words، ويعني أن الكثير من المعاني يمكن إيصالها من خلال صورة.

والصورة أسبق في التأثير، فهي من أولى وسائل التواصل البشري، قبل اختراع اللغات المكتوبة، وعندما تقرأ تقريرًا تنظر أولا إلى الصورة ثم العنوان، ثم النص، لذلك فإن المستقبل لنموذج شبيه بالقصة المصورة  Photoroman التي ابتكرتها مجلة SONGO الإيطالية في الستينيات، وأدخلها سعيد فريحة لبنان.

ومنذ نشأة الصورة الصحفية عام 1880 قدم المصورون كمًا هائلًا من الصور التي وثّقت الأحداث وحرّكت المشاعر واستنهضت الهمم وكشفت الحقائق وألهمت البشرية. لقد كانوا جزءا من عملية نشر الوعي وبناء الأمم والمجتمعات في العصر الحديث.

كان التصوير ـ في زمن أفلام النيجاتيف والتحميض والطباعة ـ عملية إبداعية حقيقية، وكان المصور فنانًا يستخدم حدسه ومهاراته لالتقاط الصورة . كانت العلاقة بين المصور والكاميرا القديمة علاقة حميمية، تظهر قيمتها عندما تتعطل فيحزن المصور وكأنما مرض ابنه، وكانت مراحل التصوير والتحميض والطباعة قصة حب، وكان لملمس الصورة الورقية "اللميع" متعة كبرى، وكان الألبوم مستودعًا للذكريات وموئلًا للحنين.

ولكن هذا كله إنتهى بظهور الكاميرات الديجيتال، والتي وفّرت إمكانات تقنية هائلة، ولكنها دمرت الموهبة والشغف والرؤية الإبداعية، وتحول التصوير من مهنة إبداعية إلى مهنة آلية، وبات من السهل على أي انسان أن يكون مصورًا. كل ما عليك فعله الآن أن توجه الكاميرا الحديثة ثم تغمض عينيك وتضغط.

ومن المصورين المبدعين الذين عرفتهم عن قرب، ورافقتهم لسنوات طويلة، المصور اليمني محمد سليمان، والذي صادقته وزاملته في جدة حيث بدأت حياتي الصحفية بالعمل صحفيًا في مجلة شهرية.

محمد سليمان مصور من زمن النيجاتيف الجميل، كانت الكاميرا جزءًا من هويته، قطعة من ذراعه، وكان لديه ملكة صحفية، وهو ما ساعده دائما، ليس فقط على التقاط صورة فنية مميزة، ولكن أيضا لقطة صحفية مميزة . صوّر في البر والبحر والجو، وكان على استعداد دائم للمجازفة من أجل صورة.

كان سليمان صاحب شخصية إقتحامية، يفرض قانونه مهما كانت الشخصية التي يصورها، فنان أم وزير أو حتى رئيس دولة، وقبل التقاط الصورة يستوقف الجميع ويتدخل ويوجه ويعدل وضعية الشخصية بجرأة وثقة عجيبة، وكان الجميع يذعنون له، فالمصور ـ كالكاتب والصحفي ـ ليس حلّاقًا ـ مع احترامي للحلّاقين ـ يفعل ما يريده الزبون، ولكنه يمارس مهمة جليلة وهي التوثيق، والصورة التي تستهين بها الآن، قد تصنع التاريخ غدًا.

في أرشيف محمد سليمان العديد من الشخصيات والرموز، مثل بيل كلينتون وجيمي كارتر وكولن باول وكونداليزا رايس وطلال مداح وخالد عبدالرحمن ومحمد عبده، وأبو بكر المحضار، وبلغت سمعته السفارة الأمريكية فاستعانت به ردحا من الزمن.

وعلى المستوى الشخصي يتميز محمد سليمان بطيب المعشر والوفاء والإخلاص، وأتذكر كيف كان يصرّ على دعوتي للغداء في مطعم "أشواق" التركي بمنطقة عنيكش في شارع الستين في جدة، وكيف كان يصرّ على الدفع بعزة نفس، حتى لو لم يكن يملك المال، وكيف أهداني ذات يوم جوالًا بسيطا ظل معي لسنوات.

أتذكر محمد سليمان وسيارته الجيب القديمة "المطوّفة" ـ وهو تعبير يطلق على السيارات التي تخلفت عن التسجيل ـ والتي كنا نقطع بها الطرق والقفار لإعداد تقرير صحفي هنا، إو إجراء حوار مع شخصية هناك.

أتذكر استديو التصوير الذي كان يتعامل معه في منطقة جدة القديمة، والذي كان يحمّض الصور فيه، وصاحبه الهندي "شنواز" الذي كان يستقبلنا ببشاشة وترحاب، ويطبع له الصور على النوتة "التقريشة"، أتذكر عندما فاجأته يومًا في منزله وهو يشرع في التخلص من عدة مئات من الصور، بعد أن ازدحم بيته بكراتين الصور والأفلام، ولكني حضرت في الوقت المناسب، وأخذت هذه الصور التي كانت كنزًا صحفيًا.

ومن المواقف الطريفة التي أتذكرها عندما ذهبنا معًا لحضور مؤتمر صحفي للمطرب السعودي عبدالمجيد عبدالله في منتجع "درة العروس" في أبحر الشمالية، وفي طريق العودة داهمتنا السيول، وجرفت السيارة، وكنا في خطر حقيقي، لدرجة أني كنت مضطرًا لرفع يدي بحافظة الأوراق حتى لا تبتل، حتى في هذه الأزمة الوجودية راح  سليمان يلتقط الصور، ومن بينها صورة لي وأنا أكافح بجوار السيارة وقدماي غارقتان في الماء.

موهبة سليمان في التصوير قادته لموهبة أخرى طريفة، وهي نقد روابط العنق، فكلما رأى شخصا بربطة عنق سيئة غضب، ولم ينجو من نقده القاسي أحد، والطريف أن نقده هذا امتد لرؤساء دول لا يجيدون ربط روابط العنق.

اليوم، وأنا أتفقد أرشيفي الصحفي الضخم الحافل بالشخصيات العربية والعالمية، أتذكر أن معظم الصور الصحفية فيه كانت من تصوير محمد سليمان، ومعظم السبقات الصحفية التي حققتُها، كان هو جزءا منها بكاميرته المبدعة القادرة على التقاط الصورة المناسبة في اللحظة المناسبة.

عندما أتصفح هذه الصور الصحفية وكل منها وراءه قصة، أشعر بالإمتنان لمحمد سليمان المصور والانسان، وفي الوقت نفسه أحزن، لأن هذا المصور الصحفي البارع دهسته الثقافة العربية التي تعادي النجاح، فأصبح "زامر الحي الذي لا يطرب"، فلم يجد حتى الآن الفرصة الحقيقية في الصحافة، فاضطر للعمل في العقارات ليَعُول أسرته، واكتفى بنشر بعض من لقطاته ومعلومات حول ثقافة التصوير في صفحته الشخصية على فيسبوك.

هذا البورتريه إنصاف وتقدير لمحمد سليمان "أبو موسي" رفيق الرحلة الصحفية الجبلية الصعبة الذي سيبقى ـ رغم الإهمال والإنكار ـ أحد المصورين البارعين الذين أبدعوا في الصورة الصحفية، وقاموا بدورهم المشرف في التوثيق والتأريخ، والكشف عن الحقائق، ونشر القيم الصحفية الجميلة.

 

تاريخ الإضافة: 2023-06-25 تعليق: 0 عدد المشاهدات :902
7      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات