القاهرة: الأمير كمال فرج.

لم يكن استحواذ شركة هيونداي على شركة بوسطن ديناميكس، بقيمة 1.1 مليار دولار مجرد خطوة تجارية عابرة، بل تحول بسرعة إلى طموح وطني متكامل يدفع كوريا الجنوبية نحو صدارة ثورة الروبوتات العالمية.

ذكر كريستوفر هيلمان في تقرير نشرته مجلة Forbes أن " شركة هيونداي موتور دفعت عام 2021، نحو 1.1 مليار دولار للاستحواذ على 80% من شركة بوسطن ديناميكس الرائدة في مجال الروبوتات، المشهورة بمقاطع الفيديو التي تُظهر روبوتها الشبيه بالكلاب Spot   وروبوتها البشري Atlas القادر على الجري والقفز".

استراتيجية متكاملة

 في البداية، بدا هذا الاستحواذ وكأنه محاولة من هيونداي لجذب الأنظار أكثر من كونه جزءًا من استراتيجية متكاملة. لكن الأمر لم يعد كذلك. فبعد أربع سنوات، أصبحت هيونداي (بمبيعات 130 مليار دولار في 2024، وتحتل المرتبة 142 في قائمة فوربس جلوبال 2000) تمثل طليعة التوغل الكوري في عالم الروبوتات.

واصلت هيونداي — ثالث أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم، بما في ذلك ملكيتها لـ 35% من شركة كيا (المرتبة 278) — تطوير روبوت "سبوت" خصيصًا للاستخدام كـمفتش متنقل للمواقع الصناعية، وتستمر في تطوير "أطلس"، بهدف بيع روبوتات بشرية منتجة بكميات كبيرة وتعمل بالذكاء الاصطناعي بحلول عام 2028.

بالفعل، قام مختبر هيونداي للروبوتات بنشر منصته X-ble من الهياكل الروبوتية الخارجية القابلة للارتداء لاستخدامها في المصانع. ويُقال إن نموذج X-ble Shoulder، الذي أُطلق في أواخر العام الماضي بعد تجارب على 300 عامل، يقلل من الجهد على الكتف والعضلات الدالية بأكثر من 30% عند رفع الأجسام الثقيلة مثل قطع غيار السيارات.

أما نموذج X-ble MEX فهو بدلة تأهيلية أكثر تعقيدًا يمكن أن تساعد الأشخاص على المشي مرة أخرى. ومن المدهش أن هذه الهياكل الخارجية من طراز "X-ble" لا تتطلب مصدر طاقة خارجي، بل تعتمد على ميكانيكا زنبركية سلبية.

الروبوتات الصناعية ليست جديدة على كوريا، التي تتصدر العالم بالفعل في كثافة انتشار الروبوتات، بوجود 1,000 روبوت لكل 10,000 عامل في المصانع، مقارنة بحوالي 300 في الولايات المتحدة و 470 في الصين. وقد قامت بالفعل شعبة الروبوتات في مجموعة دوسان (المرتبة 1713 بمبيعات 13 مليار دولار، وتخضع لسيطرة الملياردير بارك جيونغ-وون) بتسويق روبوت Cubot، وهو روبوت صناعي بارع في اللحام، والصنفرة، ترتيب المنصات، وقلي الطعام، ومناولة الأمتعة.

شركات التشيبول

ترى شركات التشيبول الكورية القوية والحكومة الكورية فرصة هائلة للروبوتات خارج المصانع. وتهدف الشراكة الجديدة بين القطاعين العام والخاص التي أطلقتها الحكومة، تحت اسم تحالف K-Humanoid، إلى تقديم روبوت بشري ثنائي الأرجل قابل للتسويق بحلول عام 2028، يزن أقل من 130 رطلاً (حوالي 59 كجم)، ويستطيع رفع 40 رطلاً (حوالي 18 كجم)، والمشي حوالي 3 ياردات (حوالي 2.7 متر) في الثانية، ويمكنه التحرك بمرونة بفضل أكثر من 50 مفصلاً. ويسعى تحالف K-Humanoid إلى تطوير "عقل" ذكاء اصطناعي مشترك يمكن لجميع الروبوتات الكورية استخدامه.

و"التشيبول" Chaebol كلمة كورية تشير إلى تكتلات صناعية ضخمة، عادة ما تكون مملوكة ومدارة من قبل عائلة واحدة أو سلالة عائلية. تلعب هذه الشركات دورًا محوريًا ومهيمنًا في الاقتصاد الكوري الجنوبي، وتعتبر العمود الفقري للنمو الاقتصادي في البلاد.

تقدم شركة إل جي إلكترونيكس (بإيرادات 70 مليار دولار، وتحتل المرتبة 910) بالفعل روبوتًا متدحرجًا يُدعى CLOi، والذي يُستخدم للخدمة والحمل. وفي العام الماضي، قدمت إل جي روبوتها المنزلي الصغير Q9، والذي يمكنه الرؤية، والسمع، والتحدث، واختلاق القصص لترفيه الأطفال.

وتمتلك سامسونج إلكترونيكس، عملاق أشباه الموصلات والأجهزة (بإيرادات 220 مليار دولار، وتحتل المرتبة 21 في قائمة فوربس جلوبال 2000)، 35% من شركة رينبو روبوتيكس، التي تأسست عام 2011 على يد باحثين من المعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا. وقد عرضت هذه الشركة الروبوت البشري ثنائي الأرجل Hubo والروبوت البشري ذي العجلات "RB-Y1".

أهمية وجودية

قد يصبح التفوق في مجال الروبوتات قريبًا مسألة ذات أهمية وجودية لكوريا، التي تعاني من أدنى معدل خصوبة في العالم، بأقل من 1%، وتتوقع أنها ستحتاج إلى عدد أكبر بكثير من الروبوتات لرعاية سكانها الذين يتقدمون في العمر بسرعة.

يمكن للروبوتات أيضًا أن تساعد في تحفيز الاقتصاد الكوري الذي يعاني من الركود، والذي تبلغ قيمته 1.7 تريليون دولار، حيث يتوقع بنك كوريا نموًا ضعيفًا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.8% هذا العام، بعد انكماش بنسبة 0.2% في الربع الأول. وقد ارتفع مؤشر كوسبي للأسهم بنسبة 6% في العام الماضي و 34% فقط خلال 5 سنوات. وتعهد رئيس كوريا الجديد، التقدمي لي جاي-ميونغ، بحزمة تحفيز تقني بقيمة 30 مليار دولار.

قد يكون استحواذ هيونداي على 80% من بوسطن ديناميكس (تمتلك سوفت بنك الـ 20% الأخرى) قد بدا وكأنه دخولها إلى مجال الروبوتات، لكنه أصبح الآن أساسًا لإنتاجية ومنتجات تحدث تغييرًا جذريًا. وقد دأبت الشركات الكورية على فعل ذلك لعقود من الزمن في مجالات أشباه الموصلات، والهواتف الذكية، وأجهزة التلفاز، والثلاجات.

بالفعل، تقوم روبوتات Spot المجهزة بأجهزة استشعار بدوريات مستمرة في المواقع الصناعية المعقدة والخطرة، مما يوفر على العملاء عناء تركيب مئات أو آلاف أجهزة الاستشعار الثابتة (حتى الخدمة السرية الأمريكية لديها روبوت Spot  يتجول في أراضي مارالاغو). وتُظهر مقاطع الفيديو الحديثة من بوسطن ديناميكس الروبوت البشري "أطلس" وهو يزحف، ويتدحرج، وحتى يرقص بريك دانس.

اتفقت شركة الشحن العالمية DHL في مايو على شراء ألف روبوت Stretch  من بوسطن ديناميكس لمناولة الطرود، بينما تقول هيونداي إنها ستنشر آلافًا أخرى في الولايات المتحدة من خلال استراتيجية استثمار بقيمة 21 مليار دولار. قريبًا، ستكون الروبوتات في كل مكان.

شقت أكثر من 60 شركة كورية جنوبية طريقها إلى قائمة فوربس جلوبال 2000، بما في ذلك شركة كهرباء كوريا، وشركة بوسكو للصلب، وعملاق الخدمات المالية  KP Financial (أصول بقيمة 515 مليار دولار). ومع احتمال فرض تعريفات جمركية بنسبة 25%، أعلنت بوسكو، سادس أكبر منتج للصلب في العالم، بالفعل عن شراكة مع عضو آخر في قائمة فوربس جلوبال 2000، هيونداي موتورز، للاستثمار في مصنع للصلب بقيمة 5.8 مليار دولار في لويزيانا.

تشمل قائمة الوافدين الجدد إلى قائمة فوربس جلوبال 2000 شركة الاستثمار القابضة SK Square بالإضافة إلى شركة ألعاب الفيديو Crafton، المعروفة بلعبة PUBG Battlegrounds، ومن الشركات الجديدة أيضًا Hanwha Aerospace، وهي شركة مقاولات دفاعية متخصصة في توربينات الطاقة ومدافع الهاوتزر ذاتية الدفع. وفي وقت سابق من هذا العام، أعلنت Hanwha Aero عن طموحها في مجال الروبوتات لتطوير أنظمة أسلحة ذاتية التشغيل.