وكما يوجد الفنانون الطيبون الذين يبحثون عن رزقهم بالطرق المشروعة يوجد أيضاَ النصابون، في أحد الأيام استوقفني شاب أسود قال لي بالإنجليزية : "I'am hangry" فقلت له: "وماذا تريد؟"، قال: "أريد مالاً"، فأجبته: "وأنا أيضاً جوعان .. انتظر حتى يأتي أحد ليعطيا مالاً"، فتراجع الشاب بعد أن فهم أنني كشفته، فقلت : "له من أين؟"، فأخبرني أنه من جنوب إفريقيا.
في مكان آخر وفي وسط الشارع فوجئت بشاب ذو ملامح روسية يجلس القرفصاء على الأرض، يتجمع حوله المارة وقوفاً، ماذا يفعل الشاب؟، إنه يلعب الورق على الأرض، والورق يعني عندنا الثلاث ورقات، وهي لعبة شعبية تكثر في موالد أولياء الله الصالحين، رغم أنها مقامرة، والمقامرة حرمها الإسلام.
المهم أخونا الفهلوي يلعب الثلاث ورقات على الأرض، ويشير إلى الواقفين، ويسألهم .. أين البصرة ..؟، فيشير أحدهم، ويضع مبلغاً على ورقة معينة، فإن كانت هي فاز وحصل على مثلها، وإن لم تكن هي خسر وفقد المبلغ، وبعد دقائق تشتعل المنافسة، ويزداد حماس المتابعين الواقفين فيتداخلون للمقامرة، أما الفائز فأحياناً يكون من المارة الواقفين، وفي أحيان كثيرة يكون الرجل الروسي نصابا، والمبالغ المقامر بها تتراوح ما بين 200 كرونا: 500 كرونا في المرة الواحدة.
في زحام التجمع اقتربت صبية باسمة لتسأل النصاب أحد الأسئلة، فنهرها بصفاقة بإنجليزية مدرسية قائلاً: "Children do not play" أي "الأطفال لا يلعبون)، لاحظت وجه الصبية الذي أحمر خجلاً ..
عندما لاحظ الروسي المقامر أنني أهم بتصويره رفع يده قائلاً: "No photing" أي "لا تصوير"، فتظاهرت بتلبية طلبه، ولكن رغبتي في التقاط الصورة كان أقوى، فغافلته وانتقلت إلى زاوية أخرى لا يراها والتقطت الصورة، وعندها لاحظت أن أحد الواقفين استشاط غضباً وأشار لزميله علي، عندها أدركت أن هذا الرجل يمكن أن يكون أحد مساعدي المقامر، فسارعت بالاختفاء في الزحام، وانتقلت إلى مكان آخر بسرعة، ثم دخلت فجأة أحد المحلات، وذلك هرباً من مواجهة هذا الشخص الذي ربما يكون عضواً في المافيا الروسية، ويطلق النار على جبهتي كما يحدث في الأفلام الأجنبية، ونجحت في الهرب، والجري نصف الجدعنة كما يقول المثل المصري الطريف.
أحد الأصدقاء عندما رويت له القصة أخبرني أنني أحسنت بالهرب، لأن هذا المقامر النصاب عادةً ما يكون حوله مجموعة من المساعدين الذين يساعدونه في النصب على السياح والمواطنين، وذلك بتمثيل دور السياح المقامرين الفائزين، وأن معظم الذين يكسبون هم هؤلاء المساعدون الذين يغرون الآخرين بالمقامرة، أخبرني صديقي أن حصيلة هؤلاء تصل إلى آلاف الكرونات في اليوم الواحد.
مثال آخر للنصب رأيته عندما استوقفتني فتاة جميلة، وعرضت على قائمة لمتبرعين والمبالغ التي تبرعوا بها، والغرض مساعدة الفقراء في نيجيريا، وكل متبرع يكتب المبلغ الذي تبرع به في خزانة واسمه في الخانة الأخرى، هكذا بكل بساطة، لا إيصال رسمي ولا أوراق معتمدة، أمام إلحاحها تبرعت بـ 20 كرونا وكتبت اسمي وأنا صادق النية والصدقة لله.
يا لها من طريقة سهلة للتكسب، ترى كم من الناس في عالمنا العربي يمارسون هذه الطريقة؟، بالمناسبة هل تعلمون شيئا عن فقراء نيجيريا ..؟