تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



الرواية الإماراتية الآن .. سيرة الإنسان


 

سامح كعوش.

يقول فيرديناند دي سوسير في كتابه "محاضرات في الألسنية العامة": "يمكننا تصوّر السيميولوجي كعلم يدلنا على كنه وماهية العلامات والقوانين التي تنظمها حياة العلامات في صدر الحياة الاجتماعية، إن مكانتها محددة قَبْلياً، وما الألسنة إلا جزءٌ من هذا العلم العام... وهكذا ترتبط هذه العلامات بمجال محدد بدقة في مجموعة الوقائع البشرية"، وهذا ما يؤكد عليه بيرس الذي يرى "أن الرمز يقابل العلامة بأبعادها الثلاثة عند سوسير، وارتباطها بالمرجع تعسفياً أو عرفياً أو توافقياً، والدليل يعني اقترانه بما يدلّ عليه كأعراض مرضية تشير إلى نوع المرض، أو الدخان مع النار أو السحاب مع المطر، والأيقونة التي تعني قيام تشابه بين الدليل وما يمثّله، كالصورة أو الرسم أو النحت".

أما العلامة الأبرز ذات الصلة بالوقائع البشرية في حالة الرواية الإماراتية فهي الإنسان نفسه، فلا علاقاته مع داخله، ومع خارجه، مع ذاته، وصفاته، فكأننا به يعكس رؤية رولان بارت، في إحالته الدال والمدلول في مستواهما الأسطوري إلى دال ثانٍ يطلق عليه اسم الشكل، أما المدلول له فيسميه المفهوم، وهنا يمكن لنا أن نتحرّى شكلاً فريداً في اللغة لا يقع في المفهوم، وبالتالي هو لا يقع في التأويل أو الحالة المفسرة كما عند بيرس بمعزل عن الحالة المصوّرة في نظريته لعلم الدلالة، ويكون لهذا الشكل الفريد في اللغة حضورٌ مستقلٌّ بذاته في تناول أدبي إبداعي يخرج دوماً عن السياق ولا يحكي أنا كاتبه أو كاتبته، إنما يحاكيها في المثال/ المفهوم الكلي أو ما قع في اللغة ولا يقع في الكلام.

ولأنّ موضوع جلستنا هو "الرواية الإماراتية الآن – سيرة الإنسان" فلا بد من تفكيك العنوان إلى مفردتي موضوع هما: السيرة والإنسان، وللسيرة علاقة وطيدة بالمبدع في جميع أحواله، وبالتالي بالإنسان الذي هو نبض المكان المقصود، وهو محور حركته الكونية في بقعة جغرافية معينة، نقصد بها هنا المكان الإماراتي دون سواه، فكاتب السيرة أكانت ذاتيةً أو غيريةً، وكل رواية فيها الكثير من كتابة السير، وتتبع الأثر، بحسب الدكتور عبد العزيز شرف في كتابه أدب السيرة الذاتية، لا يكتب إلا حينما تتضح في نفسه تجربته، ويقف على أجزائها بفكره، ويرتّبها ترتيبا قبل أن يفكر في الكتابة، وهكذا يستغرق الأديب، وخاصة كاتب السيرة في حياته لينقل إلينا تجربته فيها في أدق ما يحيط بها من أحداث العالم الخارجي، فتتمثل فيها سيرة الحياة بما تشتمل عليه من ألوان الصراع النفسي إزاء الأحداث التي تصوّرها هذه السيرة.

وهنا أقتبس عن الدكتور صمويل جونسون مقولته الأجمل في العلاقة بين المكان وسيرة الإنسان، يقول: "إنّ حياة الرجل حين يكتبها بقلمه هي أحسن ما يُكتب عنه"، بل أتبعها بمقولة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حفظه الله، يقول: "إنّ الكتابة بالنسبة إلى الكاتب الحقيقي هي جزء من حياته، وقطعة من قلبه وشغفه، ومسؤوليته الإنسانية تجاه ما يقدّمه إلى القارئ والأجيال الحاضرة والقادمة".

وليس بغريب في عالم الرواية الإماراتية منذ البدايات السبعينية إلى يومنا هذا، بحسب محمد ولد محمد سالم، أن نجدها "تعلن مبكراً مع رواية "شاهندة" عن الاتجاه الأول في اهتماماتها وانشغالها بالواقع الاجتماعي بما فيه من تجليات "استغلال" بعض الناس بعضاً، وامتهان للمرأة، وهذا الانشغال سيصبح إحدى ركائز الاهتمامات لها مع الروايات اللاحقة، ولا تخلو المعالجة هنا من نواقص البدايات التي طالت الحبكة الفنية، غير أنه يكفي الرواية أنها حازت قصب الريادة في هذا الفن وامتلكت شرف تمهيد الأرض للكتابات اللاحقة"، وفي هذا أعمق الصلات بين الرواية من جهة وسيرة الإنسان من جهة ثانية، في مكانه الأصلي الواقعي، لا مكانه المفترض كما ترسمه المخيلة الروائية بالنهايات السعيدة.

إذا فالكتابة كلها سيرة، ومسيرة، وسرد ذات، وسبر أغوار صفات وملامح، وهنا تصبح بطلة رواية "بيبي فاطمة وأبناء الملك" شخصية تعكس طموح كل امرأة إماراتية بطلة في مواجهة الاحتلال البرتغالي لبلادها، كما تصبح شخصيات أبطال روايات علي أبو الريش شخصيات عاكسة تجسّد طبائع إماراتية دون سواها، كما بطل رواية "ثنائية الروح والحجر التمثال" الأول أبو ناصر الذي يعتمر عمامة النواخذة، ويرتدي عباءة العصمة والمواعظ القديمة التراب، مستميتاً من أجل جرعة ماء، فهو كما يصوره علي أبو الريش "الرجل الأحمق، تصلّب كهذه الصخور، حتى تفتتت إرادته، وتحوّل إلى ذرات تذروها ريح الألم والهزيمة"، وها بطل الرواية الثاني ثمرة علاقة خطيئة وزنا، جمعت بين "فطوم" الخبلة، والبيدار حمود العور، فالبطل هو الطفل اللقيط الذي وجدته "سلامة" زوجة أبو ناصر مرمياً قرب البئر، جسماً غريباً في قطعة قماش صفراء ذات لون ترابي، شبيه حشرة كبيرة تدب على الحصى.

عنوان جلستنا في العلاقة بين الرواية والمكان الإماراتي وسيرة الإنسان يُحيلنا إلى إمكانية القول بالمكان، كما رآه ميلان كونديرا متحولاً وواعياً للاستمرارية في الكتابة، منذ شاهندة راشد عبد الله، الرواية الأولى في الإمارات، من خلال علاقة البطلة بقريتها "الحيرة"، في تاريخ ملابسها، وأعرافها في المأتم والزفاف، وهواياتها الرياضية أو أعيادها، كما تكمن في مدى اقتراب هذا الفن الروائي الخاص، من مجموع الأذواق الخاصة لمجتمع ما، يقول جان ميكاروفسكي، مؤسس علم الجمال البنيوي في إحدى مقالاته المنشورة في براغ عام 1932:" وحدها فرضية القيمة الجمالية الموضوعية تعطي معنى للتطور التاريخي للفن"، بما معناه، وكما يرى كونديرا، أنّه حين لا توجد القيمة التاريخية، لا يكون تاريخ الفن إلا مستودعاً واسعاً للأعمال الفنية التي ليس لتسلسلها التاريخي أي معنى، وبالعكس، يمكن في سياق التطور التاريخي لفنٍّ فقط، إدراك قيمته الجمالية، وهذا الواقع أو السياق التاريخي لتحولات المكان يعترف به راشد عبد الله نفسه في تقديمه لروايته بقوله:"قصتي هذه تنبع من واقع عشناه، عشناه بين حبات الرمل المحترق، في حياة جافة قاسية...".

بل تأخذنا جمالية التناول إلى اعتقاد أنّ الراوي الإماراتي استطاع أن يؤنسن الجمادات فلا يكتفي بسرد الذات، فها هو الجبل عند علي أبو الريش في رواية "ك، ص: ثلاثية الحب والماء والتراب" التي يصوّر فيها بطلته "شامة" كفتاة عانس يصبحُ معشوقاً تلامس الفتاة صلابته فيأتي الخصب الروحي وتثمر الشجرة المهجورة والمغدورة، وها هو الفتى في رواية علي أبو الريش، يحاول ملكاً كما حاول كثيرون غيره من أبناء الرمل، أبناء الصحراء في جاهليتها وقبل ذلك بكثير، وفي ذاكرتها المتحولة نحو الحجر، نحو البناء الطيني والإسمنتي في معجزتها الحاضرة، التاريخية التي تعي استمراريتها، وتمضي حثيثاً نحو اكتمال البناء، فالفتى في الرواية يبني  مملكةً كما تبني الصحراء مملكتها في حاضر الإمارات اليوم، فتكتب الرواية سردية هذا المشهد المبدع في تحولات الرمل نحو الثبات، يقول على لسان الراوي:"وضع الفتى أسس مملكته، ونمت الأحجار، حجراً حجراً، على قمة الجبل، مدّت الأحجار المترادفة روحه بالانتشاء، تسامى، وانتفخت أوداجه، تورّم صدره بلواعج الزهو والافتخار، نظر إلى الحضيض السفلي مشمئزاً، متقززاً، فحاور العراء في تعالٍ".

وفي مقابل فلسفية أبو الريش العالية في سرد ذات الإنسان في المكان الإماراتي، نجد أن روائيات إماراتيات كثيرات أعلين صوتهن في وجه الآخر، يتمثّلنَ ذواتهن في قيمة الصراع لا قيمة السيرة نفسها، فها هي باسمة يونس التي أعلت في سردها الروائي شأن انفتاحها دوماً على التضاد، كأنها تحاول أن تجسّد شخصيّة الأنثى الإماراتية المنقسمة على ذاتها بين لغتين: أما اللغة الأولى فهي لغة الصوت العالي الذي يشير إلى الآخر بكونه الضد وإلى الأنا الأنثى بكونها الند، وهذه اللغة تتسلح قطعاً بقوة الأنا الأنثى التي تتمثلها باسمة يونس في أدبها منطلقةً من واقعٍ مجتمعي وسياسي محفّز وداعم ومشجّع، بينما تتجلى اللغة الثانية في الصمت الذي ترتاح إليه الكاتبة في خواتم النص السردي المفتوح على نهايات لا تنتهي، وكأنها الأبد، كما في سير روائية إنسانية، تفاجئنا بالدهشة فتجعلنا مقبلين على عوالم من أداء وإيماء لا ينتهيان.

أما مريم الغفلي فتحاول في نصها السردي الروائي أن تخرج عن حبكةٍ خفيةٍ خفيفة تظهر كخيط رفيع يجمع بين مفاصل حدثها الروائي الممتد أحياناً إلى ما لا نهاية، ولكنها مع ذلك تتقن إيهامنا بما وراء هذا التناول الناضج والحي لأشياء الحياة المحيطة بها/ بنا في لعبة السرد موارباً سيرة السارد ذاته، بما يشبهه ولكن لا يكونه، وهنا تنفرد الغفلي في إيقاعنا في شرك النص وغواية القراءة فضولاً لاكتشاف ما ينتهي عنده الحدث الروائي الرئيس الذي تشير إليه في بدايات مبكرة لنصها ولا تكتفي من تناوله وتحليله وتفصيله إلا في مراحل الخاتمة النهائية بعد الذروة في الحبكة على اتساعها.

في مقاربة روايتيها "طوي بخيتة" و"بنت المطر" الصادرتين عن دار الحوار يجد القارئ أنّ الروائية الإماراتية مريم الغفلي تسلّط الضوء على صورة الأنثى/ البطلة الوحيدة للقصة، كأنها تكتب سيرة السارد ولا تشبهه، في تكرار تجربة الكاتباوي الذي يكتب الرواية عن ذاته حتى لو لم يكن هو نفسه فيها، إذ يتماهى مع تجارب إنسانية بنت بيئته ومجتمعه، ويقاربها حدّ التماهي معها، بل في معادلة النص السردي محملاً بالقيم المجتمعية التي توجّه النص إلى غاياته الاتصالية التواصلية مع التزامها في الحين نفسه بالغايات الجمالية الإبداعية، كما في شخصيتين متقاربتي السمات والسلوكيات والنمط الفاعل روائياً كشخصية بطلة رئيسة في النص، هما شخصيتا "بخيتة" في رواية "طوي بخيتة" و"لطيفة" في رواية "بنت المطر".

وللبحث في نظرية العلاقة بين الرواية وسيرة الإنسان، لذة الغوص في طبائع التقمص للآخر في أدق تفاصيله، أو ما يشبه القراءة بآلة SCAN لداخل كل فرد، كما في كتابات الروائية الإماراتية فتحية النمر التي نرى أن تجربتها الروائية فائقة الجمال، استطاعت بقراءة نفسية استندت إليها الكتابة الروائية، سبر أغوار الذات الإنسانية، في أدق وأرق صفاتها الإماراتية المحضة، كما في العديد من رواياتها ومنها رواية "للقمر وجه آخر".

وهنا تبرز تجربة روائية متميزة للولوة المنصوري في روايتها "خرجنا من ضلع جبل" التي ينتمي فيها السرد إلى سيرة الإنسان، وإن اختار عقدةً أولى هي الموت المحتم للمواليد الجدد، واللعنات التي تلحق بساكني البلدة بفعل "حجاب خاطه جنيٌّ حاسدٌ للبشرية"، فهو يكمل تعداد الفصول بالجثث والموتى بما ينتمي للحلمي المرعب، وينحاز إلى المتخيل الغرائبي الوصفي لما يحمله وعيٌ قديمٌ عن المكان، ولكن بأدوات استعارية شعرية الحوار، تحمل شيئاً من التوثيق التاريخي ولكن لا تؤكده معياراً وحيداً للصدق، أو مرجعيةً واحدةً للقول السردي، والبطلة التي تحضر في السرد تعكس حالة الكاتب الراوي الذي يتدخل في تفاصيل السرد كأنه كتابة الذات، وهي ذات الكاتبة التي انتمت إلى المكان/ الحقيقي كما هو "البلدة التي حملها جبل جيس على ساحل البحر شمال إمارة رأس الخيمة، أمانةً للتاريخ والجغرافيا"، والمكان/ الروائي "خرجتُ من ضلع جيس، جبل يأكل نفسه ويكبر، يحتضن بيوتنا الساحلية بقلق، وينام قريراً عند حافة الحكايات".

إنها الرواية التي تحكي المكان، تنحت في الصخرة، والصخرة جبل "جيس" الذي يحرس رأس الخيمة، ويحتضن قبر "هيثم" في موته الرمزي الروائي بامتياز، "مات هيثم، وفارقت الألوان طيفها، شحبت البلدة، واختطف الغمام نفسه بعيداً، ونفق الأطفال بين الشعاب وخلف الأودية"، وقيامته بالإجابة عن السؤال "هل ترث البشرية جمعاء ذنب أبويهم؟"، يخرج صوت هيثم شجياً من القبر: "الذنب تذنبه الروح، ويحمل ثقله الجسد".

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

* قدمت هذه الدراسة في ندوة "الرواية الإماراتية من سرد الصحراء والماء إلى سرد الإنسان" التي أقامتها دائرة الثقافة في الشارقة في 13 /9  /2021 .

تاريخ الإضافة: 2021-09-16 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1045
1      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات